الأحرف السبعة في القرآن والقراءات العشرة كانت بمثابة الضربة القاضية:-
و فيما يلي سأبين بالدلائل و البراهين كيف أن الأحرف السبعة تثبث بما لا يدع مجالا للشك في عقل أي باحث عن الحقيقة أن القرآن من تأليف محمد و سأحاول التبسيط و الإختصار قدر الإمكان فالغاية هي أن يفهم المسلم البسيط حقيقة القرآن و سأحاول أيضا قدر الإمكان الموازنة بين حرية التعبير و الرأي و إحترام مشاعر الإخوة المسلمين الذين أكن لهم كل التقدير و الإحترام!
أعرف أن الموضوع طويل لكن البحث عن الحقيقة يحتاج إلى الكثير من الجهد و الوقت و الصبر.
يجب أولا توضيح ما هي القراءات العشرة لأن أغلب المسلمين لا يعرفونها للأسف. يوجد في القرآن الذي بين أيدينا اليوم العديد من الاختلافات في طريقة نطق و كتابة نفس الآية من نفس السورة !! سأعطي بعض الأمثلة للتوضيح لا للحصر:
الآية 132 من سورة البقرة ، مرة تأتي “ و وصى بها ابراهيم بنيه ” و مرة أخرى تأتي “ و أوصى بها ابراهيم بنيه “
الآية 100 من سورة التوبة ، مرة تأتي ” جنات تجري من تحتها الانهار ” و مرة أخرى تأتي ” جنات تجري تحتها الانهار “
الآية 22 من سورة يونس ، مرة تأتي ” هو الذي يسيركم في البر و البحر ” و مرة أخرى تأتي ” هو الذي ينشركم في البر و البحر “
الآية 217 من سورة الشعراء ، مرة تأتي “ و توكل على العزيز الرحيم ” و مرة أخرى تأتي “ فتوكل على العزيز الرحيم “
الآية 35 من سورة يس ، مرة تأتي ” لياكلوا من ثمره وما عملته ايديهم “ و مرة أخرى تأتي ” لياكلوا من ثمره وما عملت ايديهم “
الآية 133 من سورة آل عمران ، مرة تأتي “ و سارعوا إلى مغفرة من ربكم “ و مرة أخرى تأتي ” سارعوا إلى مغفرة من ربكم “
يقول الشيوخ بأن كل هذه الاختلافات ليست أخطاءا في القرآن ، بل أن نفس الآية نزلت على محمد بعدة أوجه و محمد أقرأها لأصحابه بعدة أوجه إلى أن وصلت إلينا ، كما يسمون هذه الاختلافات : القراءات العشر و هي منسوبة إلى 10 أشخاص اشتهروا بالقراءة بها بعد وفاة محمد و أقرؤها لتلاميذهم و كتبت على اختلافها في عدة مصاحف.
تفسير ما يقوله الشيوخ بمثال :
الآية 112 من سورة المائدة أقرأها جبريل على محمد بوجهين : الوجه الأول ” هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء ” و الوجه الثاني ” هل تستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء ” ، و محمد أقرأها بعد ذلك على أصحابه بالوجهين أو الحرفين معا ، إلا أن الوجه الثاني إشتهر بقراءته الكسائي و الوجه الأول قرأ به باقي القراء العشرة.
إذن كخلاصة فالقرآن ليس كتابا واحدا كما يعتقد غالبية المسلمين ، بل هو عدة مصاحف تختلف فيما بينها في طريقة نطق و كتابة و زيادة و نقصان الحروف و الكلمات إلى يومنا هذا ، فمصحف السعودية مثلا يختلف عن مصحف السودان و هذا بدوره يختلف عن مصحف الجزائر ، و هناك مصحف القراءات الذي يبين كل هذه الاختلافات على هوامش الصفحات>
هذا فيما يخص القراءات العشر ، أما الأحرف السبعة فهي نفس الشيء تقريبا وسأعطي مثال لشرحها من حديث في صحيح البخاري>
حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن إبراهيم قال قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء فطلبهم فوجدهم فقال أيكم يقرأ على قراءة عبد الله قال كلنا قال فأيكم أحفظ فأشاروا إلى علقمة قال كيف سمعته يقرأ والليل إذا يغشى قال علقمة والذكر والأنثى قال أشهد أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هكذا وهؤلاء يريدوني على أن أقرأ وما خلق الذكر والأنثى والله لا أتابعهم .
أي أن الآية 3 من سورة الليل نزلت على وجهين أو على حرفين : الحرف الأول ” و ما خلق الذكر و الانثى ” و الحرف الثاني ” و الذكر و الأنثى ” !!
إلا أن الحرف الثاني نسخ أو تم إلغاؤه و هو ليس معتمدا به الآن.
مثال آخر في الآية 29 من سورة يس : الحرف الأول ” ان كانت الا صيحة واحدة فاذا هم خامدون ” ، و الحرف الثاني ” ان كانت الا زقية واحدة ” ، إلا أن الحرف الثاني تم إلغاؤه كذلك!
إذن نرى من هذه الأمثلة أن من الناحية التطبيقية و بالنسبة للباحث الغير مسلم ، فإن الأحرف السبعة و القراءات العشرة هي نفس الشيء و هي عبارة عن اختلافات في طريقة نطق و كتابة أحرف و كلمات نفس الآية من نفس السورة من القرآن!
أما بالنسبة للشيوخ فهي أمران مختلفان لأنهم اختلفوا حتى في الإختلاف كعادتهم ، قالت طائفة منهم أن الأحرف السبعة هي أوجه كثيرة متعددة و مختلفة نزل عليها القرآن إلا أن بعضها نسخ في العرضة الأخيرة ( آخر مراجعة للقرآن بين جبريل و محمد قبل وفاته ) و أن الخليفة عثمان بن عفان جمع المسلمين على حرف واحد و أسقط باقي الأحرف الستة عندما رأى أن المسلمين يتشاجرون فيما بينهم أثناء قراءة القرآن ، أي أن القرآن الحالي فيه حرف واحد فقط .
و دليلهم في ذلك عدة أحاديث منها هذا الحديث في صحيح البخاري:
حدثنا موسى حدثنا إبراهيم حدثنا ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشأم في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
إذا كان هذا الكلام صحيح ، فهذا يعني أن جزء من القرآن اسقطه عثمان ، و أن القرآن الذي كان يقرؤه المسلمون بعد وفاة محمد و قبل خلافة عثمان يختلف عن القرآن الحالي ، و أن القرآن الحالي هو القرآن الذي تركه محمد بعد وفاته ناقص القرآن الذي اسقطه عثمان و الغير موجود حاليا في أي كتاب ، إذن القرآن غير محفوظ أو محفوظ حرف واحد منه ، إذن الآية ” انا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ” غير صحيحة ، إذن الإسلام غير صحيح و إنتهى الأمر
لقد فطنت طائفة أخرى من الشيوخ إلى أن هذا القول ينسف الإسلام من أساسه ، فقالوا أن القراءات العشر الحالية تحتوي على جميع الأحرف السبعة الثابثة في العرضة الأخيرة و التي لم تنسخ ، و أن عثمان لم يسقط أي حرف ، وسنكمل الحجة مع هذه الطائفة
لكن قبل ذلك نستعرض بعض الأحاديث من البخاري و مسلم حول الأحرف السبعة و نقوم بتحليلها و إستخلاص بعض النتائج
حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا عبد الملك بن ميسرة قال سمعت النزال بن سبرة الهلالي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رجلا قرأ آية وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فعرفت في وجهه الكراهية و قال كلاكما محسن و لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا.
حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال حدثني عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاري حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ قال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت كذبت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أنزلت ثم قال اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه.
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن جده عن أبي بن كعب قال : كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرآ فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال لي يا أبي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثانية اقرأه على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها فقلت اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
ملاحظات حول الأحاديث:
يرى بعض الشيوخ أن مسألة إختلاف كلمات و حروف القرآن مسألة عادية و طبيعية و أن على المسلمين تقبلها بكل سهولة وطمأنينة و هذا طبعا غير صحيح ، فرد فعل عمر بن الخطاب الذي إتهم صاحبه بالكذب و لببه بردائه و كاد يقطع صلاته يبين درجة الصدمة التي كان فيها.
نفس الشيء بالنسبة لصحابي آخر من العيار الثقيل و هو أبي بن كعب الذي قال ” سقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية ” ، كما أن محمد لاحظ ذلك في وجهه.
و أنا شخصيا أصبت بنفس الصدمة عندما اكتشفت الإختلاف في القرآن أول مرة ، و كلما أخبرت بها مسلما لم يصدقني حتى يقرأ عنها بنفسه ، إذن الموضوع غاية في الأهمية والخطورة و ليس كما يحاول الشيوخ تقديمه.
بما أن محمد يقول أن نفس الآية نزلت عليه بعدة أوجه و كل وجه مختلف عن الآخر في الحروف و الكلمات ، فلماذا لم يقرئ محمد نفس الآية على إختلاف أحرفها على عمر و أبي و إبن مسعود منذ البداية و يتركهم يختاروا الوجه الذي يحبون ؟
لماذا لا يخبر محمد اتباعه جميييعا و منذ البداية في خطبة جمعة مثلا بأن الآيات تنزل عليه على عدة أوجه مختلفة فيما بينها ، حتى لا يفتتن أصحابه و يختلفوا فيما بينهم عند سماعهم لنسخة جديدة مختلفة عن نسختهم ؟ لماذا يكرر محمد نفس الشرح في ثلاث مناسبات على الأقل التي وصلت إلينا.
لماذا يكره محمد أن يسأله أصحابه عن الإختلاف و التضارب في آياته كما قال إبن مسعود ” فعرفت في وجهه الكراهية ” ؟
عندما إختلف عمر بن الخطاب و هشام بن حكيم في القراءة من جهة و أبي بن كعب و صاحبيه من جهة أخرى و إبن مسعود و صاحبه من جهة ثالثة و قدموا إلى محمد ليبرر لهم سبب الإختلاف في آياته ، لماذا لم يأخذ محمد المبادرة و يقرأ كل الأوجه التي نزلت عليه امامهم حتى يعرفوا الصحيح من الخطأ ؟ لماذا طلب منهم القراءة أولا ثم بعد ذلك صحح قراءتهم ؟ هل كان محمد يستطيع الإتيان بكل الأوجه قبل سماعها من أصحابه ؟
لماذا يقر محمد بصحة جميع النسخ التي عرضت عليه ؟ ألم يوجد من بينها و لو نسخة أو بعض نسخة به خطأ ؟
لماذا لا توجد آية واحدة تتكلم عن كل هذا الإختلاف في القرآن علما أن فيه الكثير من التكرار و التفصيل الممل ؟
انا انزلناه على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه و لا تختلفوا ، و كان الله بكم رؤوفا رحيما.
يدعي الشيوخ بأن القرآن هو كلام خارق للعادة أو معجز كما يقولون لأنه هو كلام الله ، و أن أي شخص يقرؤه أو يسمعه يعرف مباشرة أنه كلام رب العالمين ، بل منهم من يقول أن حتى الأعاجم الذين لا يفهمون العربية ، بمجرد ما يسمعون القرآن يعرفون أنه كلام الله لكنهم متكبرون و جاحدون ، إذا كان هذا الكلام صحيح ، فلماذا إتهم عمر بن الخطاب صاحبه بالكذب عندما سمعه يقرأ القرآن ؟ لماذا لم يعرف عمر بمجرد سماع صاحبه يقرأ أن ذلك من القرآن ؟ لماذا لم يصدق عمر أن ما سمع هو جزء من القرآن حتى أكد له محمد ذلك ؟ و هل هذا يعني أن عمر صدق أن صاحبه أتى بمثل القرآن علما أن الله تحدى الإنس و الجن على أن يأتوا بمثله ؟ و هل الشيوخ أكثر إيمانا من عمر ثاني المبشرين بالجنة ؟ نفس الشيء حدث مع صحابة كبار آخرين مثل أبي بن كعب و عبد الله بن مسعود !!
ننتقل الآن إلى سرد الأسباب و الحكم و العلل التي حاول الشيوخ تقديمها لتفسير أو بالأحرى لتبرير كل هذا الإختلاف في القرآن.
في الحقيقة لقد قدموا عدة أسباب لكن سأقتصر هنا على الأسباب الرئيسية و التي تستحق الرد.
لم يذكر محمد إلا سببا واحدا فقط و هو التيسير على الأمة كما جاء في الأحاديث السابقة ” فاقرءوا ما تيسر منه “ و ” فرددت إليه أن هون على أمتي “.
و أحاديث أخرى:
” لقيت جبريل عند أحجار المراء فقلت : يا جبريل اني ارسلت إلى أمة أمية ، الرجل و المرأة و الغلام و الجارية و الشيخ الفاني الذي لم يقرأ كتابا قط ، قال : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف “.
” أن النبي كان عند أضاة بني غفار فأتاه جبريل فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف ، فقال : أسأل الله معافاته ومعونته ، وإن أمتي لا تطيق ذلك ، ثم أتاه الثانية على حرفين فقال له مثل ذلك ، ثم أتاه الثالثة بثلاثة فقال له مثل ذلك ، ثم أتاه الرابعة فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف ، فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا “.
إذن السبب الوحيد الذي ذكره محمد هو التيسير و التسهيل و التبسيط على أمته في قراءة و نطق القرآن ، لذلك رخص لهم الله القراءة على حروف متعددة.
شرح تبرير محمد بمثال:
الآية 54 من سورة المائدة جاءت على وجهين : ” من يرتد منكم عن دينه ” و ” من يرتدد منكم عن دينه “.
إذن فقد أراد الله برحمته أن يسهل على الأمة قراءة هذه الآية فأنزلها على حرفين ، مرة بإدغام الدال و مرة بفكها حتى تجري على ألسنة الجميع بسهولة و يثابوا على قراءتها.
إذا كان هذا الكلام صحيح ، فلماذا أنزل الله الآية 217 من سورة البقرة : ” من يرتدد منكم عن دينه ” على وجه واحد ؟!!
كيف يعقل أن يريد الله أن يسهل على عباده نفس الآية تقريبا في سورة دون غيرها ؟ كل من لم يسعفه لسانه و قرأ الآية 217 من سورة البقرة بالإدغام : ” من يرتد منكم عن دينه ” يكون قد حرف القرآن !!
لماذا يأتي التيسير في مكان و يأتي التعسير في مكان آخر في نفس بنية و تركيب الألفاظ ؟؟!!
مثال آخر يبين أن التيسير على الأمة لا علاقة له بالإختلاف الموجود في القرآن:
الآية 116 من سورة البقرة جاءت على وجهين:
و قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه ” و ” قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه ” بحذف الواو
بالله عليكم يا مسلمين ، هل يعقل أن يريد الله أن يسهل قراءة الآية فحذف الواو مرة و أتبتها مرة أخرى ؟؟!!
و إذا كان الأطفال الصغار بل و حتى الأعاجم ينطقون ” و ” بكل سهولة و تلقائية ، فما بالكم بالغلام و الجارية و الشيخ الفاني ؟
إذاً يتضح من ما سبق أن الإختلاف في القرآن ، أو بعضه على أسوأ تقدير ، لا علاقة له لا بالتيسير و لا بالتسهيل ، كما أن الأمثلة السابقة و غيرها الكثير تثبث أن كلام محمد لتبرير الإختلاف في قرآنه غير صحيح.
لقد فطن الشيوخ إلى هذه المسألة و أن الإختلاف في القرآن لا يمكن تفسيره بالتيسير على الأمة كما قال محمد فبدأوا يتعالمون على نبيهم و يخترعون في حجج اخرى من عند أنفسهم و يجتهدون رغم وجود النص لتبرير كل هذا الإختلاف في القرآن.
فقالوا أن القرآن نزل على سبعة أحرف لكي يشمل جميع لغات أو لهجات القبائل العربية آنذاك ، و أن هذه اللهجات متفرقة في القرآن ، فبعضه بلهجة قريش ، و بعضه بلهجة تميم …. و كل ذلك رحمة من الله لكي يسهل قراءة القرآن و حفظه على جميع القبائل و يجمع شملها.
هذا القول مردود على أصحابه لأسباب عديدة ، منها :
لماذا لم يقل محمد أن القرآن نزل بعدة لهجات بدل عدة أحرف أم أنه نسي أن يبلغ هذا الأمر ؟
عمر بن الخطاب و هشام بن حكيم اللذان اختلفا في القراءة أمام محمد في الحديث الذي أوردناه سابقا ، ينتميان إلى نفس القبيلة قريش و يتكلمان بنفس اللهجة ، فلماذا إذن اقرأ محمد كليهما بلهجة مختلفة ؟
يقول عثمان بن عفان في الحديث الذي أوردناه سابقا ” إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا ” ، إذن القرآن نزل بلهجة قريش أو على الأقل هذا الذي وصل إلينا لقوله ” ففعلوا “
كيف يعقل أن يريد الله أن يسهل على أصحاب اللهجات العربية الأخرى و في نفس الوقت يستعمل كلمات أعجمية خارج العربية كليا في القرآن مثل : أباريق، استبرق، زنجبيل، فردوس …. و المصيبة أن الآية ” عاليهم ثياب سندس خضر و استبرق ” مثلا لم تأتي على وجه آخر لتبديل استبرق بحرير أو ديباج مثلا لتيسيرها على مختلف اللهجات
الآية 30 من سورة الأنبياء جاءت على وجهين : “ اولم ير الذين كفروا ” و “ الم ير الذين كفروا ” ، نفترض مثلا أن في لهجة قبيلة قريش يقال ” أولم ” و في لهجة قبيلة هذيل يقال ” ألم ” ، فأراد الله برحمته أن يسهل على الجميع و أنزلها على وجهين ، فلماذا لم تشمل رحمته كذلك الآية 77 من سورة يس و التي أنزلها بوجه واحد فقط ” اولم ير الانسان ” ؟ ألم يقل أن رحمته وسعت كل شيء ؟ لماذا تأتي الرخصة دائما في مكان دون سواه علما أنها نفس بنية و تركيب الكلمات ؟؟!!
سبب آخر جاء به الشيوخ لتبرير كل هذا الإختلاف في القرآن هو الزيادة في معاني الآية الواحدة.
مثال : الآية 219 من سورة البقرة جاءت على وجهين ، مرة تأتي ” يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما إثم كبير و منافع للناس ” و مرة أخرى ” يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما إثم كثيرو منافع للناس “.
فقالوا أن الله أراد أن يضيف معنى آخر دون تكرار الآية ، فالإثم كبير و كثير ، لكن لماذا لم يكمل الله المعنيين في آخر الآية عندما أنزلها بوجه واحد ” و اثمهما اكبر من نفعهما ” و لم يقل ايظا ” و اثمهما أكثر من نفعهما ” ؟
و حتى إن صح هذا الكلام فهناك آيات عديدة في القرآن بأكثر من معنى لكنها نزلت بوجه واحد أو بوجوه لكنها لا تعكس مختلف المعاني التي أتت بها الآية.
مثال، الآية 6 من سورة المدثر: ” و لا تمنن تستكثر ” فيها عدة معاني لكنها لم تأتي بعدة وجوه لتعكس هذه المعاني : محمد يمن على من ؟ و يستكثر من ماذا ؟
السبب الأخير الذي جاء به الشيوخ لتبرير الإختلاف في القرآن هو الزيادة في الأحكام الشرعية في الآية الواحدة و هو يشبه سابقه تقريبا!!!
مثال، الآية 222 من سورة البقرة جاءت على وجهين: ” و يسالونك عن المحيض قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض و لا تقربوهن حتى يطهرن ”
” يطهرن ” مرة بتخفيف الطاء و إسكانها بمعنى إنقضاء الحيض و مرة اخرى بتشديد الطاء و فتحها بمعنى الإغتسال ، فقالوا أن الحرف الأول يمنع الزوج من زوجته حتى تنقضي حيضتها ، و الحرف الثاني زاد حكما آخر و هو منع الزوج من زوجته حتى تغتسل”.
إذا كان الحرف الثاني صحيح ، فلماذا يكرر الله بعد ذلك في تتمة الآية ” فاذا تطهرن فاتوهن من حيث امركم الله ” أي بعد الإغتسال ؟
و حتى إن صح هذا الكلام فهناك آيات عديدة في القرآن بأكثر من حكم شرعي لكنها نزلت بوجه واحد أو بوجوه لكنها لا تعكس مختلف الأحكام التي أتت بها الآية!
مثال: الآية 228 من سورة البقرة ” و المطلقات يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء ” قالوا أن قروء تعني أطهار و تعني أيضا حيضات و اختلفوا فيها ، فلماذا لم ينزلها الله على وجهين لتحتمل كل الأحكام ؟ كيف تشمل رحمته حكما شرعيا في آية دون آية أخرى.
و الظاهر لي أن الآية 222 من سورة البقرة فيها حكمين لأنها جاءت على وجهين و ليس أنها جاءت على وجهين لأن فيها حكمين !!
يبدو لي أن الشيوخ و تحت صدمة كل هذه الاختلافات في القرآن ، بدأوا يرسلوا في الحجج بدون تفكير و تأمل.
و بهذا نكون قد انهينا معظم الحجج التي أتى بها الشيوخ لتبرير الإختلاف في القرآن ، و هناك طبعا حجج أخرى أضعف من سابقاتها و لا تستحق حتى الرد عليها.
و نختم بمثال يوضح مرة أخرى فشل تبريرات الشيوخ في تفسير الإختلاف في القرآن.
الآية 24 من سورة الحديد جاءت على وجهين : مرة تأتي ” و من يتول فان الله هو الغني الحميد ” و مرة أخرى تأتي ” و من يتول فان الله الغني الحميد ” بحذف كلمة ” هو ” و هي قراءة نافع و إبن عامر و أبو جعفر و مكتوبة كذلك في مصحف المدينة ، المسلم في السعودية يقرأ ” و من يتول فان الله هو الغني الحميد ” و المسلم في المغرب يقرأ ” و من يتول فان الله الغني الحميد “.
فإن قالوا أن الله أراد أن يسهلها على الأمة فحذف كلمة ” هو ” في الحرف الثاني ، قلت و هل يوجد في الأمة من لا يستطيع نطق كلمة ” هو ” ؟
وإن قالوا نعم فالجارية و الغلام و الشيخ لا يستطيعون نطق كلمة ” هو ” ، قلت كيف ينطقونها إذن في الأماكن الاخرى من القرآن التي لم تحذف فيه ؟
وإن قالوا أن كلمة ” هو ” غير موجودة في بعض اللهجات عند بعض القبائل أو أنهم يحذفونها قبل كلمة ” الغني “ ، قلت فما هي هذه القبيلة و هذه اللهجة ؟
فإن قالوا انها قبيلة هذيل مثلا ، قلت كيف سيقرأون إذن الآية 6 من سورة الممتحنة ” و من يتول فان الله هو الغني الحميد ” و التي نزلت بوجه واحد و لم تحذف منها كلمة ” هو ” ؟؟!! لماذا يكون التيسير و الرحمة دائما في آية دون غيرها كما اوضحنا سابقا علما أنها نفس الجملة ؟؟!!
فإن قالوا أن حذف أو إثبات كلمة ” هو ” تضيف معاني جديدة ، قلت ما هي هذه المعاني ؟
وإن قالوا أنها لا يدركها العوام من الناس و هي من إختصاص الشيوخ فقط ، قلت لماذا يضيف الله معاني جديدة في سورة الحديد و لا يضيفها في سورة الممتحنة علما أنها نفس الآية ؟ و لماذا لا يضيفها في الأماكن الاخرى : ” ان الله هو التواب الرحيم ” و ” ان الله هو العلي الكبير ” …. ؟
وإن قالوا أن فيها أحكاما شرعية جديدة ، قلت ما هي هذه الأحكام ؟ و لماذا توجد أحكام جديدة في الحديد و لا توجد في الممتحنة ؟
وإن قالوا أن فيها اعجاز عظيم يؤكد أنها من عند الله ، قلت ما هو هذا الاعجاز ؟
وإن قالوا أنه لا يدركه العوام من الناس و هي من إختصاص الشيوخ فقط ، قلت لماذا لا يوجد نفس الاعجاز إذن في سورة الممتحنة علما أنها نفس تركيب الكلمات ” و من يتول فان الله هو الغني الحميد ” ؟ و ما بال الآيات الأخرى التي لم يصلها الاعجاز ” ان الله هو التواب الرحيم ” و ” ان الله هو العلي الكبير ” …. ؟
وإن قالوا اخيرا أنه كل من عند ربنا أمنا به كما أنزل حتى و لو لم نفهم ، قلت لماذا لم يقل محمد نفس كلامكم ؟ ” فرددت إليه أن هون على أمتي ” و ” إن أمتي لا تطيق ذلك ” أم انكم أعلم من نبيكم ؟؟!! لماذا لم يقل محمد مثلا ” يسئلونك عن الإختلاف في القرآن قل هو كلام الله ينزله كيف يشاء و بشر المؤمنين بالغيب الذين سلموا أمرهم إلى الله و كان الله عليما حكيما ” .
الخلاصة: يتضح من كل ما سبق أنه لا يوجد سبب واحد منطقي و معقول يفسر كل هذا الإختلاف و تطاير الكلمات و الحروف من مكان إلى آخر في القرآن بدون سبب ، وكل ما جاء به الشيوخ يتناقض فيما بينه ، فتجد الحجة تنطبق على آية في سورة دون غيرها في سورة أخرى علما أنها نفس الجملة كما اوضحنا سابقا ، مما لا يترك مجالا للشك أن الإختلافات في القرآن هي ظاهرة عشوائية و لا يوجد قانون واحد يضبطها أو يفسرها تفسيرا منطقيا عقلانيا يليق على الأقل بالصورة التي ترسم لله في القرآن.
التفسير الوحيد الذي وجدت لكل هذا الإختلاف هو أنه مجرد أخطاء في القرآن ، و كما هو الحال بالنسبة لكل معلومة أو نص ينقل من مكان إلى آخر ، فالخطأ وارد إما في المصدر أو في المتلقين أو هما معاً.
إما أن محمد كان يحفظ جيدا القرآن الذي يؤلفه و يبلغه بوجه واحد بدون إختلاف لكن المتلقين اخطأوا فيه فغيروا و زادوا و نقصوا و إنتشر ذلك بين الناس فيما بعد ، و بالتالي تكون كل تلك الأحاديث في الصحاح حول إقرار محمد للإختلاف في القرآن أمام عمر بن الخطاب و أبي بن كعب و … مدسوسة و محمد بريء منها.
و إما أن محمد كان ينسى فعلا كيف ألف القرآن في المرة الأولى و كل مرة يبلغه بطريقة مختلفة عن سابقتها .
و إما أن الإختلاف خليط من أخطاء محمد و أخطاء المتلقين و هذا أقرب إلى الصواب عندي.
سنأخذ مثال آخر لشرح هذا الأمر : الآية 15 من سورة الأحقاف جاءت على وجهين : الوجه الأول : ” و وصينا الإنسان بوالديه إحسانا ” قرأها عاصم و حمزة و الكسائي و خلف العاشر و مكتوبة كذلك في مصحف الكوفة ، و الوجه الثاني ” و وصينا الإنسان بوالديه حسنا ” قرأها باقي القراء العشرة.
يمكن أن أحد المتلقين إما سهوا أو عمدا قلب كلمة ” إحسانا ” ب ” حسنا ” أو العكس و إنتشر ذلك بين الناس فيما بعد ، أو أنها اختلطت في ذهنه مع الآية 8 من سورة العنكبوت : ” و وصينا الانسان بوالديه حسنا ” و التي جاءت بوجه واحد ، أنظر مرة أخرى كيف أن نفس الجملة تأتي بوجهين في سورة و وجه واحد في سورة أخرى !!!.
و يمكن أيضا أن يكون محمد قد ألفها في الأول ” و وصينا الإنسان بوالديه إحسانا ” ثم بلغها كذلك للبعض ، ثم نسي بعد ذلك أو اختلطت في ذهنه مع الآية 8 من سورة العنكبوت : ” و وصينا الانسان بوالديه حسنا ” و بلغها إلى البعض الآخر ” و وصينا الانسان بوالديه حسنا ” و انتشرت كذلك.
و في جميع الحالات يكون القرآن إما غير محفوظ أو من تأليف البشر ، إذن الإسلام غير صحيح.
” افلا يتدبرون القران و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ”
و فيما يلي سأبين بالدلائل و البراهين كيف أن الأحرف السبعة تثبث بما لا يدع مجالا للشك في عقل أي باحث عن الحقيقة أن القرآن من تأليف محمد و سأحاول التبسيط و الإختصار قدر الإمكان فالغاية هي أن يفهم المسلم البسيط حقيقة القرآن و سأحاول أيضا قدر الإمكان الموازنة بين حرية التعبير و الرأي و إحترام مشاعر الإخوة المسلمين الذين أكن لهم كل التقدير و الإحترام!
أعرف أن الموضوع طويل لكن البحث عن الحقيقة يحتاج إلى الكثير من الجهد و الوقت و الصبر.
يجب أولا توضيح ما هي القراءات العشرة لأن أغلب المسلمين لا يعرفونها للأسف. يوجد في القرآن الذي بين أيدينا اليوم العديد من الاختلافات في طريقة نطق و كتابة نفس الآية من نفس السورة !! سأعطي بعض الأمثلة للتوضيح لا للحصر:
الآية 132 من سورة البقرة ، مرة تأتي “ و وصى بها ابراهيم بنيه ” و مرة أخرى تأتي “ و أوصى بها ابراهيم بنيه “
الآية 100 من سورة التوبة ، مرة تأتي ” جنات تجري من تحتها الانهار ” و مرة أخرى تأتي ” جنات تجري تحتها الانهار “
الآية 22 من سورة يونس ، مرة تأتي ” هو الذي يسيركم في البر و البحر ” و مرة أخرى تأتي ” هو الذي ينشركم في البر و البحر “
الآية 217 من سورة الشعراء ، مرة تأتي “ و توكل على العزيز الرحيم ” و مرة أخرى تأتي “ فتوكل على العزيز الرحيم “
الآية 35 من سورة يس ، مرة تأتي ” لياكلوا من ثمره وما عملته ايديهم “ و مرة أخرى تأتي ” لياكلوا من ثمره وما عملت ايديهم “
الآية 133 من سورة آل عمران ، مرة تأتي “ و سارعوا إلى مغفرة من ربكم “ و مرة أخرى تأتي ” سارعوا إلى مغفرة من ربكم “
يقول الشيوخ بأن كل هذه الاختلافات ليست أخطاءا في القرآن ، بل أن نفس الآية نزلت على محمد بعدة أوجه و محمد أقرأها لأصحابه بعدة أوجه إلى أن وصلت إلينا ، كما يسمون هذه الاختلافات : القراءات العشر و هي منسوبة إلى 10 أشخاص اشتهروا بالقراءة بها بعد وفاة محمد و أقرؤها لتلاميذهم و كتبت على اختلافها في عدة مصاحف.
تفسير ما يقوله الشيوخ بمثال :
الآية 112 من سورة المائدة أقرأها جبريل على محمد بوجهين : الوجه الأول ” هل يستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء ” و الوجه الثاني ” هل تستطيع ربك ان ينزل علينا مائدة من السماء ” ، و محمد أقرأها بعد ذلك على أصحابه بالوجهين أو الحرفين معا ، إلا أن الوجه الثاني إشتهر بقراءته الكسائي و الوجه الأول قرأ به باقي القراء العشرة.
إذن كخلاصة فالقرآن ليس كتابا واحدا كما يعتقد غالبية المسلمين ، بل هو عدة مصاحف تختلف فيما بينها في طريقة نطق و كتابة و زيادة و نقصان الحروف و الكلمات إلى يومنا هذا ، فمصحف السعودية مثلا يختلف عن مصحف السودان و هذا بدوره يختلف عن مصحف الجزائر ، و هناك مصحف القراءات الذي يبين كل هذه الاختلافات على هوامش الصفحات>
هذا فيما يخص القراءات العشر ، أما الأحرف السبعة فهي نفس الشيء تقريبا وسأعطي مثال لشرحها من حديث في صحيح البخاري>
حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش عن إبراهيم قال قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء فطلبهم فوجدهم فقال أيكم يقرأ على قراءة عبد الله قال كلنا قال فأيكم أحفظ فأشاروا إلى علقمة قال كيف سمعته يقرأ والليل إذا يغشى قال علقمة والذكر والأنثى قال أشهد أني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هكذا وهؤلاء يريدوني على أن أقرأ وما خلق الذكر والأنثى والله لا أتابعهم .
أي أن الآية 3 من سورة الليل نزلت على وجهين أو على حرفين : الحرف الأول ” و ما خلق الذكر و الانثى ” و الحرف الثاني ” و الذكر و الأنثى ” !!
إلا أن الحرف الثاني نسخ أو تم إلغاؤه و هو ليس معتمدا به الآن.
مثال آخر في الآية 29 من سورة يس : الحرف الأول ” ان كانت الا صيحة واحدة فاذا هم خامدون ” ، و الحرف الثاني ” ان كانت الا زقية واحدة ” ، إلا أن الحرف الثاني تم إلغاؤه كذلك!
إذن نرى من هذه الأمثلة أن من الناحية التطبيقية و بالنسبة للباحث الغير مسلم ، فإن الأحرف السبعة و القراءات العشرة هي نفس الشيء و هي عبارة عن اختلافات في طريقة نطق و كتابة أحرف و كلمات نفس الآية من نفس السورة من القرآن!
أما بالنسبة للشيوخ فهي أمران مختلفان لأنهم اختلفوا حتى في الإختلاف كعادتهم ، قالت طائفة منهم أن الأحرف السبعة هي أوجه كثيرة متعددة و مختلفة نزل عليها القرآن إلا أن بعضها نسخ في العرضة الأخيرة ( آخر مراجعة للقرآن بين جبريل و محمد قبل وفاته ) و أن الخليفة عثمان بن عفان جمع المسلمين على حرف واحد و أسقط باقي الأحرف الستة عندما رأى أن المسلمين يتشاجرون فيما بينهم أثناء قراءة القرآن ، أي أن القرآن الحالي فيه حرف واحد فقط .
و دليلهم في ذلك عدة أحاديث منها هذا الحديث في صحيح البخاري:
حدثنا موسى حدثنا إبراهيم حدثنا ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشأم في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
إذا كان هذا الكلام صحيح ، فهذا يعني أن جزء من القرآن اسقطه عثمان ، و أن القرآن الذي كان يقرؤه المسلمون بعد وفاة محمد و قبل خلافة عثمان يختلف عن القرآن الحالي ، و أن القرآن الحالي هو القرآن الذي تركه محمد بعد وفاته ناقص القرآن الذي اسقطه عثمان و الغير موجود حاليا في أي كتاب ، إذن القرآن غير محفوظ أو محفوظ حرف واحد منه ، إذن الآية ” انا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ” غير صحيحة ، إذن الإسلام غير صحيح و إنتهى الأمر
لقد فطنت طائفة أخرى من الشيوخ إلى أن هذا القول ينسف الإسلام من أساسه ، فقالوا أن القراءات العشر الحالية تحتوي على جميع الأحرف السبعة الثابثة في العرضة الأخيرة و التي لم تنسخ ، و أن عثمان لم يسقط أي حرف ، وسنكمل الحجة مع هذه الطائفة
لكن قبل ذلك نستعرض بعض الأحاديث من البخاري و مسلم حول الأحرف السبعة و نقوم بتحليلها و إستخلاص بعض النتائج
حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا عبد الملك بن ميسرة قال سمعت النزال بن سبرة الهلالي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رجلا قرأ آية وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فعرفت في وجهه الكراهية و قال كلاكما محسن و لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا.
حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال حدثني عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن عبد القاري حدثاه أنهما سمعا عمر بن الخطاب يقول : سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت حتى سلم فلببته بردائه فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ قال أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت كذبت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله اقرأ يا هشام فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أنزلت ثم قال اقرأ يا عمر فقرأت القراءة التي أقرأني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه.
حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن جده عن أبي بن كعب قال : كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرآ فحسن النبي صلى الله عليه وسلم شأنهما فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا وكأنما أنظر إلى الله عز وجل فرقا فقال لي يا أبي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثانية اقرأه على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها فقلت اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم صلى الله عليه وسلم.
ملاحظات حول الأحاديث:
يرى بعض الشيوخ أن مسألة إختلاف كلمات و حروف القرآن مسألة عادية و طبيعية و أن على المسلمين تقبلها بكل سهولة وطمأنينة و هذا طبعا غير صحيح ، فرد فعل عمر بن الخطاب الذي إتهم صاحبه بالكذب و لببه بردائه و كاد يقطع صلاته يبين درجة الصدمة التي كان فيها.
نفس الشيء بالنسبة لصحابي آخر من العيار الثقيل و هو أبي بن كعب الذي قال ” سقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية ” ، كما أن محمد لاحظ ذلك في وجهه.
و أنا شخصيا أصبت بنفس الصدمة عندما اكتشفت الإختلاف في القرآن أول مرة ، و كلما أخبرت بها مسلما لم يصدقني حتى يقرأ عنها بنفسه ، إذن الموضوع غاية في الأهمية والخطورة و ليس كما يحاول الشيوخ تقديمه.
بما أن محمد يقول أن نفس الآية نزلت عليه بعدة أوجه و كل وجه مختلف عن الآخر في الحروف و الكلمات ، فلماذا لم يقرئ محمد نفس الآية على إختلاف أحرفها على عمر و أبي و إبن مسعود منذ البداية و يتركهم يختاروا الوجه الذي يحبون ؟
لماذا لا يخبر محمد اتباعه جميييعا و منذ البداية في خطبة جمعة مثلا بأن الآيات تنزل عليه على عدة أوجه مختلفة فيما بينها ، حتى لا يفتتن أصحابه و يختلفوا فيما بينهم عند سماعهم لنسخة جديدة مختلفة عن نسختهم ؟ لماذا يكرر محمد نفس الشرح في ثلاث مناسبات على الأقل التي وصلت إلينا.
لماذا يكره محمد أن يسأله أصحابه عن الإختلاف و التضارب في آياته كما قال إبن مسعود ” فعرفت في وجهه الكراهية ” ؟
عندما إختلف عمر بن الخطاب و هشام بن حكيم في القراءة من جهة و أبي بن كعب و صاحبيه من جهة أخرى و إبن مسعود و صاحبه من جهة ثالثة و قدموا إلى محمد ليبرر لهم سبب الإختلاف في آياته ، لماذا لم يأخذ محمد المبادرة و يقرأ كل الأوجه التي نزلت عليه امامهم حتى يعرفوا الصحيح من الخطأ ؟ لماذا طلب منهم القراءة أولا ثم بعد ذلك صحح قراءتهم ؟ هل كان محمد يستطيع الإتيان بكل الأوجه قبل سماعها من أصحابه ؟
لماذا يقر محمد بصحة جميع النسخ التي عرضت عليه ؟ ألم يوجد من بينها و لو نسخة أو بعض نسخة به خطأ ؟
لماذا لا توجد آية واحدة تتكلم عن كل هذا الإختلاف في القرآن علما أن فيه الكثير من التكرار و التفصيل الممل ؟
انا انزلناه على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه و لا تختلفوا ، و كان الله بكم رؤوفا رحيما.
يدعي الشيوخ بأن القرآن هو كلام خارق للعادة أو معجز كما يقولون لأنه هو كلام الله ، و أن أي شخص يقرؤه أو يسمعه يعرف مباشرة أنه كلام رب العالمين ، بل منهم من يقول أن حتى الأعاجم الذين لا يفهمون العربية ، بمجرد ما يسمعون القرآن يعرفون أنه كلام الله لكنهم متكبرون و جاحدون ، إذا كان هذا الكلام صحيح ، فلماذا إتهم عمر بن الخطاب صاحبه بالكذب عندما سمعه يقرأ القرآن ؟ لماذا لم يعرف عمر بمجرد سماع صاحبه يقرأ أن ذلك من القرآن ؟ لماذا لم يصدق عمر أن ما سمع هو جزء من القرآن حتى أكد له محمد ذلك ؟ و هل هذا يعني أن عمر صدق أن صاحبه أتى بمثل القرآن علما أن الله تحدى الإنس و الجن على أن يأتوا بمثله ؟ و هل الشيوخ أكثر إيمانا من عمر ثاني المبشرين بالجنة ؟ نفس الشيء حدث مع صحابة كبار آخرين مثل أبي بن كعب و عبد الله بن مسعود !!
ننتقل الآن إلى سرد الأسباب و الحكم و العلل التي حاول الشيوخ تقديمها لتفسير أو بالأحرى لتبرير كل هذا الإختلاف في القرآن.
في الحقيقة لقد قدموا عدة أسباب لكن سأقتصر هنا على الأسباب الرئيسية و التي تستحق الرد.
لم يذكر محمد إلا سببا واحدا فقط و هو التيسير على الأمة كما جاء في الأحاديث السابقة ” فاقرءوا ما تيسر منه “ و ” فرددت إليه أن هون على أمتي “.
و أحاديث أخرى:
” لقيت جبريل عند أحجار المراء فقلت : يا جبريل اني ارسلت إلى أمة أمية ، الرجل و المرأة و الغلام و الجارية و الشيخ الفاني الذي لم يقرأ كتابا قط ، قال : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف “.
” أن النبي كان عند أضاة بني غفار فأتاه جبريل فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف ، فقال : أسأل الله معافاته ومعونته ، وإن أمتي لا تطيق ذلك ، ثم أتاه الثانية على حرفين فقال له مثل ذلك ، ثم أتاه الثالثة بثلاثة فقال له مثل ذلك ، ثم أتاه الرابعة فقال : إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على سبعة أحرف ، فأيما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا “.
إذن السبب الوحيد الذي ذكره محمد هو التيسير و التسهيل و التبسيط على أمته في قراءة و نطق القرآن ، لذلك رخص لهم الله القراءة على حروف متعددة.
شرح تبرير محمد بمثال:
الآية 54 من سورة المائدة جاءت على وجهين : ” من يرتد منكم عن دينه ” و ” من يرتدد منكم عن دينه “.
إذن فقد أراد الله برحمته أن يسهل على الأمة قراءة هذه الآية فأنزلها على حرفين ، مرة بإدغام الدال و مرة بفكها حتى تجري على ألسنة الجميع بسهولة و يثابوا على قراءتها.
إذا كان هذا الكلام صحيح ، فلماذا أنزل الله الآية 217 من سورة البقرة : ” من يرتدد منكم عن دينه ” على وجه واحد ؟!!
كيف يعقل أن يريد الله أن يسهل على عباده نفس الآية تقريبا في سورة دون غيرها ؟ كل من لم يسعفه لسانه و قرأ الآية 217 من سورة البقرة بالإدغام : ” من يرتد منكم عن دينه ” يكون قد حرف القرآن !!
لماذا يأتي التيسير في مكان و يأتي التعسير في مكان آخر في نفس بنية و تركيب الألفاظ ؟؟!!
مثال آخر يبين أن التيسير على الأمة لا علاقة له بالإختلاف الموجود في القرآن:
الآية 116 من سورة البقرة جاءت على وجهين:
و قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه ” و ” قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه ” بحذف الواو
بالله عليكم يا مسلمين ، هل يعقل أن يريد الله أن يسهل قراءة الآية فحذف الواو مرة و أتبتها مرة أخرى ؟؟!!
و إذا كان الأطفال الصغار بل و حتى الأعاجم ينطقون ” و ” بكل سهولة و تلقائية ، فما بالكم بالغلام و الجارية و الشيخ الفاني ؟
إذاً يتضح من ما سبق أن الإختلاف في القرآن ، أو بعضه على أسوأ تقدير ، لا علاقة له لا بالتيسير و لا بالتسهيل ، كما أن الأمثلة السابقة و غيرها الكثير تثبث أن كلام محمد لتبرير الإختلاف في قرآنه غير صحيح.
لقد فطن الشيوخ إلى هذه المسألة و أن الإختلاف في القرآن لا يمكن تفسيره بالتيسير على الأمة كما قال محمد فبدأوا يتعالمون على نبيهم و يخترعون في حجج اخرى من عند أنفسهم و يجتهدون رغم وجود النص لتبرير كل هذا الإختلاف في القرآن.
فقالوا أن القرآن نزل على سبعة أحرف لكي يشمل جميع لغات أو لهجات القبائل العربية آنذاك ، و أن هذه اللهجات متفرقة في القرآن ، فبعضه بلهجة قريش ، و بعضه بلهجة تميم …. و كل ذلك رحمة من الله لكي يسهل قراءة القرآن و حفظه على جميع القبائل و يجمع شملها.
هذا القول مردود على أصحابه لأسباب عديدة ، منها :
لماذا لم يقل محمد أن القرآن نزل بعدة لهجات بدل عدة أحرف أم أنه نسي أن يبلغ هذا الأمر ؟
عمر بن الخطاب و هشام بن حكيم اللذان اختلفا في القراءة أمام محمد في الحديث الذي أوردناه سابقا ، ينتميان إلى نفس القبيلة قريش و يتكلمان بنفس اللهجة ، فلماذا إذن اقرأ محمد كليهما بلهجة مختلفة ؟
يقول عثمان بن عفان في الحديث الذي أوردناه سابقا ” إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا ” ، إذن القرآن نزل بلهجة قريش أو على الأقل هذا الذي وصل إلينا لقوله ” ففعلوا “
كيف يعقل أن يريد الله أن يسهل على أصحاب اللهجات العربية الأخرى و في نفس الوقت يستعمل كلمات أعجمية خارج العربية كليا في القرآن مثل : أباريق، استبرق، زنجبيل، فردوس …. و المصيبة أن الآية ” عاليهم ثياب سندس خضر و استبرق ” مثلا لم تأتي على وجه آخر لتبديل استبرق بحرير أو ديباج مثلا لتيسيرها على مختلف اللهجات
الآية 30 من سورة الأنبياء جاءت على وجهين : “ اولم ير الذين كفروا ” و “ الم ير الذين كفروا ” ، نفترض مثلا أن في لهجة قبيلة قريش يقال ” أولم ” و في لهجة قبيلة هذيل يقال ” ألم ” ، فأراد الله برحمته أن يسهل على الجميع و أنزلها على وجهين ، فلماذا لم تشمل رحمته كذلك الآية 77 من سورة يس و التي أنزلها بوجه واحد فقط ” اولم ير الانسان ” ؟ ألم يقل أن رحمته وسعت كل شيء ؟ لماذا تأتي الرخصة دائما في مكان دون سواه علما أنها نفس بنية و تركيب الكلمات ؟؟!!
سبب آخر جاء به الشيوخ لتبرير كل هذا الإختلاف في القرآن هو الزيادة في معاني الآية الواحدة.
مثال : الآية 219 من سورة البقرة جاءت على وجهين ، مرة تأتي ” يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما إثم كبير و منافع للناس ” و مرة أخرى ” يسألونك عن الخمر و الميسر قل فيهما إثم كثيرو منافع للناس “.
فقالوا أن الله أراد أن يضيف معنى آخر دون تكرار الآية ، فالإثم كبير و كثير ، لكن لماذا لم يكمل الله المعنيين في آخر الآية عندما أنزلها بوجه واحد ” و اثمهما اكبر من نفعهما ” و لم يقل ايظا ” و اثمهما أكثر من نفعهما ” ؟
و حتى إن صح هذا الكلام فهناك آيات عديدة في القرآن بأكثر من معنى لكنها نزلت بوجه واحد أو بوجوه لكنها لا تعكس مختلف المعاني التي أتت بها الآية.
مثال، الآية 6 من سورة المدثر: ” و لا تمنن تستكثر ” فيها عدة معاني لكنها لم تأتي بعدة وجوه لتعكس هذه المعاني : محمد يمن على من ؟ و يستكثر من ماذا ؟
السبب الأخير الذي جاء به الشيوخ لتبرير الإختلاف في القرآن هو الزيادة في الأحكام الشرعية في الآية الواحدة و هو يشبه سابقه تقريبا!!!
مثال، الآية 222 من سورة البقرة جاءت على وجهين: ” و يسالونك عن المحيض قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض و لا تقربوهن حتى يطهرن ”
” يطهرن ” مرة بتخفيف الطاء و إسكانها بمعنى إنقضاء الحيض و مرة اخرى بتشديد الطاء و فتحها بمعنى الإغتسال ، فقالوا أن الحرف الأول يمنع الزوج من زوجته حتى تنقضي حيضتها ، و الحرف الثاني زاد حكما آخر و هو منع الزوج من زوجته حتى تغتسل”.
إذا كان الحرف الثاني صحيح ، فلماذا يكرر الله بعد ذلك في تتمة الآية ” فاذا تطهرن فاتوهن من حيث امركم الله ” أي بعد الإغتسال ؟
و حتى إن صح هذا الكلام فهناك آيات عديدة في القرآن بأكثر من حكم شرعي لكنها نزلت بوجه واحد أو بوجوه لكنها لا تعكس مختلف الأحكام التي أتت بها الآية!
مثال: الآية 228 من سورة البقرة ” و المطلقات يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء ” قالوا أن قروء تعني أطهار و تعني أيضا حيضات و اختلفوا فيها ، فلماذا لم ينزلها الله على وجهين لتحتمل كل الأحكام ؟ كيف تشمل رحمته حكما شرعيا في آية دون آية أخرى.
و الظاهر لي أن الآية 222 من سورة البقرة فيها حكمين لأنها جاءت على وجهين و ليس أنها جاءت على وجهين لأن فيها حكمين !!
يبدو لي أن الشيوخ و تحت صدمة كل هذه الاختلافات في القرآن ، بدأوا يرسلوا في الحجج بدون تفكير و تأمل.
و بهذا نكون قد انهينا معظم الحجج التي أتى بها الشيوخ لتبرير الإختلاف في القرآن ، و هناك طبعا حجج أخرى أضعف من سابقاتها و لا تستحق حتى الرد عليها.
و نختم بمثال يوضح مرة أخرى فشل تبريرات الشيوخ في تفسير الإختلاف في القرآن.
الآية 24 من سورة الحديد جاءت على وجهين : مرة تأتي ” و من يتول فان الله هو الغني الحميد ” و مرة أخرى تأتي ” و من يتول فان الله الغني الحميد ” بحذف كلمة ” هو ” و هي قراءة نافع و إبن عامر و أبو جعفر و مكتوبة كذلك في مصحف المدينة ، المسلم في السعودية يقرأ ” و من يتول فان الله هو الغني الحميد ” و المسلم في المغرب يقرأ ” و من يتول فان الله الغني الحميد “.
فإن قالوا أن الله أراد أن يسهلها على الأمة فحذف كلمة ” هو ” في الحرف الثاني ، قلت و هل يوجد في الأمة من لا يستطيع نطق كلمة ” هو ” ؟
وإن قالوا نعم فالجارية و الغلام و الشيخ لا يستطيعون نطق كلمة ” هو ” ، قلت كيف ينطقونها إذن في الأماكن الاخرى من القرآن التي لم تحذف فيه ؟
وإن قالوا أن كلمة ” هو ” غير موجودة في بعض اللهجات عند بعض القبائل أو أنهم يحذفونها قبل كلمة ” الغني “ ، قلت فما هي هذه القبيلة و هذه اللهجة ؟
فإن قالوا انها قبيلة هذيل مثلا ، قلت كيف سيقرأون إذن الآية 6 من سورة الممتحنة ” و من يتول فان الله هو الغني الحميد ” و التي نزلت بوجه واحد و لم تحذف منها كلمة ” هو ” ؟؟!! لماذا يكون التيسير و الرحمة دائما في آية دون غيرها كما اوضحنا سابقا علما أنها نفس الجملة ؟؟!!
فإن قالوا أن حذف أو إثبات كلمة ” هو ” تضيف معاني جديدة ، قلت ما هي هذه المعاني ؟
وإن قالوا أنها لا يدركها العوام من الناس و هي من إختصاص الشيوخ فقط ، قلت لماذا يضيف الله معاني جديدة في سورة الحديد و لا يضيفها في سورة الممتحنة علما أنها نفس الآية ؟ و لماذا لا يضيفها في الأماكن الاخرى : ” ان الله هو التواب الرحيم ” و ” ان الله هو العلي الكبير ” …. ؟
وإن قالوا أن فيها أحكاما شرعية جديدة ، قلت ما هي هذه الأحكام ؟ و لماذا توجد أحكام جديدة في الحديد و لا توجد في الممتحنة ؟
وإن قالوا أن فيها اعجاز عظيم يؤكد أنها من عند الله ، قلت ما هو هذا الاعجاز ؟
وإن قالوا أنه لا يدركه العوام من الناس و هي من إختصاص الشيوخ فقط ، قلت لماذا لا يوجد نفس الاعجاز إذن في سورة الممتحنة علما أنها نفس تركيب الكلمات ” و من يتول فان الله هو الغني الحميد ” ؟ و ما بال الآيات الأخرى التي لم يصلها الاعجاز ” ان الله هو التواب الرحيم ” و ” ان الله هو العلي الكبير ” …. ؟
وإن قالوا اخيرا أنه كل من عند ربنا أمنا به كما أنزل حتى و لو لم نفهم ، قلت لماذا لم يقل محمد نفس كلامكم ؟ ” فرددت إليه أن هون على أمتي ” و ” إن أمتي لا تطيق ذلك ” أم انكم أعلم من نبيكم ؟؟!! لماذا لم يقل محمد مثلا ” يسئلونك عن الإختلاف في القرآن قل هو كلام الله ينزله كيف يشاء و بشر المؤمنين بالغيب الذين سلموا أمرهم إلى الله و كان الله عليما حكيما ” .
الخلاصة: يتضح من كل ما سبق أنه لا يوجد سبب واحد منطقي و معقول يفسر كل هذا الإختلاف و تطاير الكلمات و الحروف من مكان إلى آخر في القرآن بدون سبب ، وكل ما جاء به الشيوخ يتناقض فيما بينه ، فتجد الحجة تنطبق على آية في سورة دون غيرها في سورة أخرى علما أنها نفس الجملة كما اوضحنا سابقا ، مما لا يترك مجالا للشك أن الإختلافات في القرآن هي ظاهرة عشوائية و لا يوجد قانون واحد يضبطها أو يفسرها تفسيرا منطقيا عقلانيا يليق على الأقل بالصورة التي ترسم لله في القرآن.
التفسير الوحيد الذي وجدت لكل هذا الإختلاف هو أنه مجرد أخطاء في القرآن ، و كما هو الحال بالنسبة لكل معلومة أو نص ينقل من مكان إلى آخر ، فالخطأ وارد إما في المصدر أو في المتلقين أو هما معاً.
إما أن محمد كان يحفظ جيدا القرآن الذي يؤلفه و يبلغه بوجه واحد بدون إختلاف لكن المتلقين اخطأوا فيه فغيروا و زادوا و نقصوا و إنتشر ذلك بين الناس فيما بعد ، و بالتالي تكون كل تلك الأحاديث في الصحاح حول إقرار محمد للإختلاف في القرآن أمام عمر بن الخطاب و أبي بن كعب و … مدسوسة و محمد بريء منها.
و إما أن محمد كان ينسى فعلا كيف ألف القرآن في المرة الأولى و كل مرة يبلغه بطريقة مختلفة عن سابقتها .
و إما أن الإختلاف خليط من أخطاء محمد و أخطاء المتلقين و هذا أقرب إلى الصواب عندي.
سنأخذ مثال آخر لشرح هذا الأمر : الآية 15 من سورة الأحقاف جاءت على وجهين : الوجه الأول : ” و وصينا الإنسان بوالديه إحسانا ” قرأها عاصم و حمزة و الكسائي و خلف العاشر و مكتوبة كذلك في مصحف الكوفة ، و الوجه الثاني ” و وصينا الإنسان بوالديه حسنا ” قرأها باقي القراء العشرة.
يمكن أن أحد المتلقين إما سهوا أو عمدا قلب كلمة ” إحسانا ” ب ” حسنا ” أو العكس و إنتشر ذلك بين الناس فيما بعد ، أو أنها اختلطت في ذهنه مع الآية 8 من سورة العنكبوت : ” و وصينا الانسان بوالديه حسنا ” و التي جاءت بوجه واحد ، أنظر مرة أخرى كيف أن نفس الجملة تأتي بوجهين في سورة و وجه واحد في سورة أخرى !!!.
و يمكن أيضا أن يكون محمد قد ألفها في الأول ” و وصينا الإنسان بوالديه إحسانا ” ثم بلغها كذلك للبعض ، ثم نسي بعد ذلك أو اختلطت في ذهنه مع الآية 8 من سورة العنكبوت : ” و وصينا الانسان بوالديه حسنا ” و بلغها إلى البعض الآخر ” و وصينا الانسان بوالديه حسنا ” و انتشرت كذلك.
و في جميع الحالات يكون القرآن إما غير محفوظ أو من تأليف البشر ، إذن الإسلام غير صحيح.
” افلا يتدبرون القران و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ”