Translate

الخميس، 9 مايو 2013

نظرة معمّقة في مسألة تحريف الصّحابي عبد الله بن أبي سرح للقرآن وإرتداده عن الإسلام - الجزء الاول

ليس هناك خطر أكبر من أن ينشقّ أحدهم عن الجماعة وينظمّ للجماعة المقابلة أو المنافسة أو المعادية. فالمجرم الذي يترك العصابة التي كان ضمن أفرادها لا يعيش طويلا حتّى يلقى حتفه، لأنّه بخروجه عن المجموعة يصبح خطرا عليها ذلك أنّه يعرف أسرارها وخفاياها ويمكن أن يشكّل لها تهديدا سواء بقي وحيدا منعزلا عن جميع الأطراف أو إنضمّ إلى عصابة معادية أو وقع إستغلاله من طرف الأجهزة الأمنيّة للإيقاع بالبقيّة. هكذا تعمل العصابات والمافيا وكلّ المجموعات الإجراميّة. الدّاخل إليها موجود والخارج منها مفقود. ونفس الأمر ينطبق على الإسلام الذي تجمعه مع النّظام المافياوي عديد الخصائص والجوانب لتجعل منهما نظامان يرتكزان على نفس الأسس والقواعد ويشتغلان بنفس الآليّات، رغم تصنيف العصابات في خانة الإجرام وتصنيف الإسلام في خانة الأديان ورغم الإدّعاءات التي يمكن أن تقال بناء على ذلك.
المهمّ أنّ الإسلام يشبه العصابات والمافيا إلى حدّ كبير. فإذا كان المنشقّ عن العصابة يموت بسبب تهديده لوجودها، فالمرتدّ عن الإسلام أيضا يقتل، مثلما يبيّنه حديث نقل عن محمّد يقول فيه: "ومن بدّل دينه فأقتلوه"، لأنّه يفضح الإسلام من الدّاخل... هذا زيادة على المصداقيّة التي تنسب له كعضو قديم يتكلّم عن معرفة بطرق إشتغال النّظام وآليّاته وغاياته ووسائله... ألم يقل القدامى: "أهل مكّة أدرى بشعابها"؟
لذلك كان محمّد يكره المرتدّين، ليس لأنّه يكره أن يضلّوا الطّريق ويحبّ لهم الخير، فليس هناك خير في أمر يفرض بحدّ السّيف ولا ينبع من إختيار المرء وإقتناعه به ولا يحترم بالتّالي حرّيّته ولا خير أيضا في كلام قرآني يناقض بعضه ولا في خرافات وأساطير محرّفة يعاد سردها... إنّما السّبب الحقيقي أنّ نبيّ الإسلام كان يدرك جيّدا التّهديد الكامن وراء الإرتداد عن دينه والأخطار المترتّبة عنه. وقد واجه محمّد في حياته مئات الحالات من هذا القبيل، لعلّ أبرزها "عبد الله بن سعد بن أبي سرح" الذي يتحاشى معظم من كتبوا عن تاريخ الإسلام ذكر إسمه لأنّه يمثّل حالة لا تمنح فرصا كبيرة للتّأويل، زيادة على كونه من الصّحابة ومن المبشّرين بالجنّة أي أنّه منح تأشيرة محمّديّة لدخول الجنّة... فأيّ تشكيك في حكايته يمثّل تشكيكا في الإسلام نفسه.
لكن من هو عبد الله بن أبي سرح؟ هو عبد الله بن سعد بن أبى السرح بن الحارث بن حبيب بن جذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش، العامري القرشي. أسلم عبد الله بن أبى السرح أوّل مرّة قبل صلح الحديبية وأوكل إليه محمّد مهمّة كتابة الوحي. ثم ارتدّ عن الإسلام. وهو الذي قيل نزلت في شأنه الآية: "ومن أظلم ممن إفترى على الله كذبا أو قال أوحي إليّ ولم يوح إليه شيء ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله" (الأنعام، 93). نلاحظ في هذه الآية أنّها تتّهم عبد الله بن أبي سرح بالإفتراء على الله وإدّعاء النبوّة، أي الكفر بمحمّد وبربّه. وفي "أسباب النّزول" لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النّيسابوري نقرأ تفسير هذه الآية كما يلي: "قوله تعالى «ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله» نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، كان قد تكلّم بالإسلام، فدعاه رسول الله ذات يوم يكتب له شيئا، فلمّا نزلت الآية التي في المؤمنين «ولقد خلقنا الإنسان من سلالة» أملاها عليه، فلمّا إنتهى إلى قوله «ثمّ أنشأناه خلقا آخر»، عجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان، فقال: «تبارك الله أحسن الخالقين»، فقال رسول الله: هكذا أنزلت عليّ، فشكّ عبد الله حينئذ، وقال: لئن كان محمّد صادقا لقد أوحي إليّ كما أوحي إليه، ولئن كان كاذبا لقد قلت كما قال، وذلك قوله «ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله» وإرتدّ عن الإسلام. وهذا قول إبن عبّاس في رواية الكلبي".
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق